مؤتمر جوهانسبرغ- تفكيك الاستعمار الإسرائيلي ومناهضة الإبادة الجماعية في فلسطين

في خطوة تاريخية، تبنى المؤتمر العالمي لمناهضة الفصل العنصري من أجل فلسطين، الذي انعقد مؤخرًا في مدينة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، إعلانًا مدويًا يتعلق بالاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، والفصل العنصري الممنهج، والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
وانطلاقًا من هذا المنظور الحقوقي والإنساني الرفيع، فإننا، من خلال هذا المؤتمر الذي انعقدت فعالياته في الفترة الممتدة من 10 إلى 12 مايو/أيار، نطلق نداءً عاجلاً لإرساء حركة عالمية متينة، تهدف في صميمها إلى تفكيك نظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلي البغيض، ووضع حد للإبادة الجماعية المتواصلة ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وقد شهد هذا المؤتمر حضورًا لافتًا، حيث شارك فيه أكثر من 400 شخصية بارزة من 32 دولة حول العالم، وتم تنظيمه والإشراف عليه بعناية فائقة من قبل اللجنة التسييرية لمناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وقف دائم لإطلاق النار
لقد أصدرنا بيانًا تاريخيًا، وقّع عليه ممثلو الدول المشاركة بأطيافهم ومعتقداتهم الدينية المتنوعة، ومن مختلف الآراء السياسية والأيديولوجية، نتعهد فيه جميعًا بالعمل الدؤوب والمتواصل على تحقيق وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار؛ بهدف إنهاء الإبادة الجماعية المروعة في قطاع غزة، ورفع الحصار الجائر المفروض عليه، وانسحاب القوات الإسرائيلية الغاشمة، وكذلك إنهاء إرهاب المستوطنين المتطرفين.
إننا نعمل بدأب على حشد الدعم اللازم من خلال هذا المؤتمر العالمي الأول من نوعه لمناهضة الفصل العنصري من أجل فلسطين؛ وذلك لتصعيد التضامن الفعال مع الشعب الفلسطيني، وبناء حركة عالمية واسعة النطاق لمناهضة الفصل العنصري بكل أشكاله.
إننا ندعو كافة الشعوب والمنظمات على مستوى العالم إلى توسيع وتصعيد الإجراءات والفعاليات الداعمة؛ تضامنًا راسخًا مع نضال الشعب الفلسطيني البطولي من أجل التحرير الكامل؛ لإنهاء الإبادة الجماعية المستمرة والتطهير العرقي الممنهج والاحتلال البغيض والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري اللاإنساني "من النهر إلى البحر".
إن خطواتنا الحثيثة هذه تأتي في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما أسفر عن سقوط نحو 40 ألف شهيد فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء الأبرياء، بالإضافة إلى إصابة نحو 80 ألف شخص آخر، وذلك حسب البيانات الصادرة عن وزارة الصحة في غزة.
لذا، فإننا نعلن استمرارنا بثبات في إدانة الحكومات التي تصر على تقديم الدعم الكامل للنظام الصهيوني الذي يمارس الإبادة الجماعية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا، والعديد من دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك تلك الدول التي تختار التزام الصمت المريب.
إنشاء كيانات شعبية
وفي هذا السياق الحساس، سيظل تركيزنا منصبًا على تسليط الضوء البارز على الدور المشين لحكومات تلك الدول فيما يجري في غزة؛ بسبب دعمها المطلق لإسرائيل، كما أنه لا يراودنا أي شك في أنها ستُدان بالتواطؤ الفاضح في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في أعقاب القرارات الأخيرة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
إن الولايات المتحدة تُعتبر شريكة أساسية وغيرها من الدول فيما يجري من إبادة لسماحها لإسرائيل باستخدام رصيفها "الإنساني" المزعوم لشن واحدة من أسوأ المذابح المروعة ضد الفلسطينيين، ولقيامها بعرض قواتها الخاصة "الفتاكة" للمساعدة في ارتكاب جرائم حرب موصوفة، وبسبب توفيرها الدعم المادي والسياسي.
إن هدفنا الأساسي يتمثل في مواصلة دعم وتعزيز كافة أشكال المقاطعة الشاملة لإسرائيل، والتشجيع الفعال – في برنامج العمل الطموح – على إنشاء كيانات شعبية ناشطة في كل بلد من بلدان العالم؛ للعمل على وقف الإبادة الجماعية المستمرة والإفراج الفوري عن السجناء والمعتقلين، وتمكين الفلسطينيين من ممارسة حقهم الأصيل في العودة إلى وطنهم التاريخي وإنهاء الاحتلال الغاشم، والضغط بكل الوسائل المشروعة على إسرائيل لدفع تعويضات عادلة ومنصفة عن الدمار الهائل والجرائم البشعة التي ارتكبتها في حق الشعب الفلسطيني.
ونوجز هنا برنامج عملنا الذي أعلناه بكل فخر ونسعى جاهدين لتحقيقه في الوقت الراهن:
وقف تسليح الإبادة الجماعية
نسعى من خلال برنامج حركة التضامن العالمية إلى التعبئة الشاملة من خلال العمل المباشر، والقواعد الشعبية المتينة والنقابات الفاعلة من أجل الضغط الهائل على الحكومات والبرلمانات والشركات الكبرى لفرض حظر عسكري فوري وشامل على إسرائيل؛ نظرًا لارتكابها جريمة الإبادة الجماعية النكراء ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
إن تلك الجهود الحثيثة يجب أن تشمل كذلك ما تقوم به إسرائيل من بيع ونقل للأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، وتدريب قوات الشرطة والأجهزة الأمنية لبعض الدول، والعمل الجاد على إيقاف التمويل العسكري الأميركي السخي، وحظر استيراد الأسلحة وبرامج التجسس الإسرائيلية، والمشاريع العسكرية والأمنية المشتركة.
لا تجارة مع الفصل العنصري
إننا ندعم بقوة الدعوات الفلسطينية للحملة الدولية التي تقف وراءها حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي (بي دي إس). وكذلك فرض حظر دولي صارم على تزويد إسرائيل اللا محدود بالطاقة، ووقف جميع صادرات الفحم والغاز والنفط إلى دولة الفصل العنصري.
كما نطالب أيضًا بالضغط المتزايد على البرلمانات والحكومات الإقليمية والدولية لرفض التشريعات المناهضة لمقاطعة إسرائيل، وتشجيع إصدار تشريعات قوية ومؤيدة لمقاطعتها الشاملة.
مقاطعة رياضية وثقافية
إن إسرائيل تستخدم مشاركتها الواسعة في الفعاليات الرياضية الدولية والتبادلات الثقافية المختلفة كأدوات فعالة للتطبيع المخزي، لذا نوضح هنا بجلاء أنه كان للمقاطعة الرياضية والثقافية ضد نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا تأثير نفسي عميق، وتأثير كبير على العلاقات العامة لنظامها العنصري الذي كان سائدًا قبل تولي السود مقاليد الأمور في دولتهم. ويطلق الفلسطينيون اليوم نفس الدعوة الصادقة ضد التطبيع وعزل إسرائيل العنصرية.
إنه من غير المعقول على الإطلاق أن تظل إسرائيل قادرة على المشاركة في الأحداث الرياضية العالمية المرموقة، مثل: الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية، وكأس العالم لكرة القدم، وغيرها من المسابقات الدولية الرفيعة.
لهذا ستتواصل جهودنا الحثيثة لتعليق عضوية إسرائيل في مختلف الهيئات الرياضية الدولية وحرمانها التام من المشاركة في البطولات والألعاب الدولية، بما في ذلك اللجنة الأولمبية الدولية، والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، حتى تنهي انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي، ولا سيما حكمها العنصري وجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها بشكل مستمر في قطاع غزة المحاصر.
وقف تدمير دور العلم
ترسخ حركة التضامن العالمية الدعوة الملحة إلى دعم المقاطعة الشاملة والمتسقة لجميع المؤسسات الأكاديمية في إسرائيل، وما يستوجبه ذلك من الامتناع الكامل عن التعاون في المجالات الأكاديمية والثقافية، أو في المشاريع المشتركة.
فدولة الاحتلال الغاشم لا تزال تواصل تعمدها استهداف نظام التعليم الفلسطيني، والإبادة المنهجية، حيث تعتقل وتقتل أساتذة الجامعات ومعلمي المدارس، وتدمر البنية التحتية التعليمية الحيوية، مما حال دون حصول 625 ألف طالب مدرسي، و90 ألف طالب جامعي على حقهم الأصيل في التعليم. كما قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة 8600 طالب، و497 معلمًا وإداريًا، و98 أستاذًا جامعيًا، و4 رؤساء جامعات مرموقة، والعديد منهم مع عائلاتهم.
وضع حدّ للإبادة الجماعية الإنجابية
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تزايدت بشكل ملحوظ الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الإسرائيلي المجرم في غزة، من خلال العنف المنهجي، والاستهداف المتعمد والوحشي للنساء والأطفال الأبرياء، كما أن حالات الاعتقال التعسفي والقتل خارج نطاق القضاء للأطفال في الضفة الغربية المحتلة قد ارتفعت هي الأخرى بشكل كبير.
وفي هذا الصدد الحساس، تبرز أهمية تعزيز الحقوق الأساسية للفلسطينيين في الاستقلال الجسدي والسلامة والعدالة الإنجابية من خلال نشر المواد الإعلامية التي توضح مفهوم الإبادة الجماعية الإنجابية، وتأثيرها المدمر على الأجيال القادمة. كذلك التعاون الوثيق مع دعاة العدالة الإنجابية على مستوى العالم من خلال المسيرات الحاشدة والاحتجاجات القوية والمظاهرات العامة الصاخبة؛ للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء العنف المتصاعد في غزة.
إبادة البيئة الطبيعية
يحاول الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، منذ تأسيسه المشؤوم، "تبييض" جرائم النكبة المروعة من خلال زراعة غابات غير أصلية في البلدات الفلسطينية المهجرة والمدمرة، وإتلاف النظم البيئية المحلية الحساسة، واقتلاع أشجار الزيتون المعمرة، وسرقة المياه الجوفية من طبقات المياه الجوفية الفلسطينية، وغير ذلك الكثير من الجرائم البيئية.
كما غمرت القوات الإسرائيلية مؤخرًا أنفاق غزة المكتظة بمياه البحر المالحة، مما يعرض إمدادات المياه النادرة في القطاع للخطر الداهم لأجيال قادمة. وكان للهجوم العسكري الإسرائيلي آثار هائلة ومدمرة على النظم البيئية، والتنوع البيولوجي الفريد في المنطقة.
إنّ هذه الجرائم البيئية تستدعي ضرورة إبلاغ منظمات العدالة المناخية ونشطاء البيئة بحجم "الإبادة" الشاملة التي تعرضت لها النظم البيئية الحساسة من خلال ما قامت به إسرائيل من أعمال وحشية، حيث أسقطت 85 ألف طن من المتفجرات المميتة – أي ما يعادل قوة تدميرية لثلاث قنابل نووية – على منطقة مكتظة بالسكان المدنيين تبلغ مساحتها 365 كيلومترًا مربعًا.
وبالتالي، فإننا نحمل إسرائيل وحلفاءها المتواطئين – الذين يزوّدونها بالغطاء الدبلوماسي اللازم والأسلحة الفتاكة- المسؤولية الكاملة عن ضمان استعادة بيئة غزة المدمرة، ومواردها المائية الملوثة، وإزالة الأنقاض والمواد الخطرة التي لُوثت بها غزة.
الرواية الفلسطينية في مواجهة آلة الدعاية الصهيونية
نحن على أُهبة الاستعداد لتنفيذ حملات تثقيفية وتوعوية عامة في وسائل الإعلام الرئيسية والبديلة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي المؤثرة، من أجل تقوية الإعلام الفلسطيني ليكون قادرًا على مواجهة ما يسمى بالعبرية (الهاسبارا)، وتعني الدعاية الإسرائيلية المضللة.
وفي سبيل تحقيق ذلك، يتطلب الأمر وصف إسرائيل، على الدوام وبدون تردد، بأنها دولة عنصرية يحكمها نظام فصل عنصري استعماري واستيطاني يتبنى التطهير العرقي الممنهج ضد الشعب الفلسطيني. ولا بدّ، أيضًا، من فضح الممارسات الإسرائيلية غير القانونية، ودعم المبادرات القانونية والدبلوماسية الرامية إلى محاسبة إسرائيل بموجب القانون الدولي.
دعم الأسرى الفلسطينيين وأسرهم
لا تزال إسرائيل تمارس أبشع الجرائم والانتهاكات في حق السجناء الفلسطينيين، إذ تُعد السجون الإسرائيلية – وفق البيان الصادر – بؤرًا للتعذيب الجسدي والنفسي والعاطفي لا يسلم منه الأطفال والمسنون.
ومن أجل ذلك، ندعو إلى إنشاء صندوق فلسطيني للدفاع القانوني عن السجناء وأسرهم، واعتماد "مبادئ نيلسون مانديلا" التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، والمتضمنة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء وإدارة المؤسسات العقابية.
حشد المجتمعات الدينية
غالبًا ما يساء استخدام الدين كمسوغ وأداة للقمع، كما كان الحال في نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا، وكما هو عليه الآن مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، مما يلقي مسؤولية خاصة على عاتق المجتمعات الدينية للرد بقوة على مثل هذه التصرفات المشينة.
لذا تبدو الحاجة الملحة بأن يتولى أتباع الديانات المختلفة، في إطار الحركة العالمية لمناهضة الفصل العنصري من أجل فلسطين، تشكيل فريق عمل مشترك للتنسيق فيما بينهم لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة. وتتضمن هذه الإجراءات أيضًا، العمل الجاد على دحض الفكرة الخاطئة القائلة إن الصهيونية واليهودية مترادفان، وإن انتقاد إسرائيل هو معاداة للسامية.
ويتعيّن، في هذا الخصوص، بناء علاقات متينة بين الطوائف الدينية المختلفة لتطوير حركة عالمية قوية لمناهضة الصهيونية والفصل العنصري، ومناصرة القضية الفلسطينية العادلة.